الثلاثاء، 17 ديسمبر 2013

رياض الصالحين يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ فَإِذَا كَانُوا ببيْداءَ مِنَ الأَرْضِ يُخْسَفُ بأَوَّلِهِم وَآخِرِهِمْ


بسم الله الرحمن الرحيم

باب الإِخلاصِ وإحضار النيَّة
في جميع الأعمال والأقوال والأحوال البارزة والخفيَّة
2- وَعَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ عَائشَةَ رَضيَ الله عنها قالت: قال رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ فَإِذَا كَانُوا ببيْداءَ مِنَ الأَرْضِ يُخْسَفُ بأَوَّلِهِم وَآخِرِهِمْ ». قَالَتْ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ يُخْسَفُ بَأَوَّلِهِم وَآخِرِهِمْ وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنهُمْ ،؟ قَالَ : «يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِم وَآخِرِهِمْ ، ثُمَّ يُبْعَثُون عَلَى نِيَّاتِهِمْ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ : هذا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ .
شرح

2- أخرجه : البخاري 3/86 ( 2118 ) ، ومسلم 8/168 ( 2884 ) . الألفاظ مختلفة والمعنى واحد .    
([1]) السوقة من الناس : الرعية ومن دون الملك ومن لم يكن ذا سلطان ، والذكر والأنثى فيه    سواء . اللسان 6/437 ( سوق ) 
ذكر المؤلف حديث عائشة ـ رضي الله عنها- أن النبي صلي الله عليه وسلم أخبر أنه يغزو جيش الكعبة، الكعبة المشرفة حماها الله وأنقذها من كل شر.
هذه الكعبة هي بيت الله؛ بناه إبراهيم ، وابنه إسماعيل - عليهما الصلاة والسلام - وكانا يرفعان القواعد من البيت ويقولان ) رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(البقرة: من الآية127)
هذا البيت أراد ابرهة أن يغزو من اليمن ، فغزاه بجيش عظيم في مقدمته فيل عظيم؛ يريد أن يهدم به الكعبة - بيت الله - فلما قرب من الكعبة ووصل إلي مكان يقال له المغمس حرن الفيل، وأبي أن يتقدم ، فجعلوا ينهرونه ليتقدم إلي الكعبة فأبي ، فإذا صرفوه نحو اليمن هرول وأسرع؛ ولهذا قال الرسول - عليه الصلاة والسلام - في غزوة الحديبة لما أن ناقته حزنت ، وبركت من غير علة - قال الرسول صلي الله عليه وسلم : (( ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق!))(13) فالنبي - عليه الصلاة والسلام - يدافع عن بهيمة ، لأن الظلم لا ينبغي، ولو على البهائم.
(( ما خلات القصواء وما ذاك لها بخلق - أي عادة- ولكن حبسها حابس الفيل)) وحابس الفيل: هو الرب سبحانه وتعالي، (( والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطتيهم إياها))
المهم أن الكعبة غزيت من قبل اليمن، في جيش عظيم ، يقوده هذا الفيل العظيم، ليهدم الكعبة، فلما وصلوا إلي المغمس أبي الفيل أن يمشي ، وحرن ، فنتهروه، ولكن لا فائدة، فبقوا هناك وانحبسوا ، فأرسل الله عليهم طيراً أبابيل ، والأبابيل : يعني الجماعات الكثيرة من الطيور ، وكل طير يحمل حجراً قد أمسكه برجله، ثم يرسله على الواحد منهم،حتى يضربه مع هامته ويخرج إلي دبره )فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) (الفيل:5).كأنهم زرع أكلته البهائم ، وأندكوا في الأرض ، وفي هذا يقول أمية بن الصلت:

حبس الفيل في المغمس حتى ظل يحبو كأنه معقور

فحمي الله عز وجل بيته من كيد هذا الملك الظالم الذي جاء ليهدم بيت الله، وقد قال الله عز وجل، : )وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)(الحج: من الآية25)
في آخر الزمان يغزو قوم الكعبة، جيش عظيم.
وقوله : (( حتى إذا كانوا بيداء من الأرض)) أي بأرض واسعة متسعة، خسف الله بأولهم وآخرهم.
خسفت بهم الأرض ، وساخوا فيها هم وأسواقهم، وكل من معهم.
وفي هذا دليل على أنهم جيش عظيم؛ لأن معهم اسواقهم؛ للبيع والشراء وغير ذلك.
فيخسف الله بأولهم وآخرهم.لما قال الرسول صلي الله عليه وسلم هذا، ورد على خاطر عائشة - رضي الله عنها- سؤال، فقالت: يا رسول الله(( كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم، ومن ليس منهم ؟)) أسو أقهم: الذين جاءوا للبيع والشراء؛ ليس لهم قصد سيء في غزو الكعبة، وفيهم أناس ليسوا منهم تبعوهم من غير أن يعلموا بخطتهم، فقال الرسول صلي الله عليه وسلم : (( يخسف بأولهم وآخرهم وأسواقهم ومن ليس منهم ثم يبعثون يوم القيامة على نياتهم)) كل له ما نوي.
هذا فرد من أفراد قول الرسول - عليه الصلاة والسلام -: (( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوي)).
وفي هذا الحديث عبرة: أن من شارك أهل الباطل وأهل البغي والعدوان، فإنه يكون معهم في العقوبة؛ الصالح والطالح، العقوبة إذا وقعت تعم الصالح والطالح، والبر والفاجر، والمؤمن والكافر، والمصلي والمستكبر، ولا تترك أحداً، ثم يوم القيامة يبعثون علي نياتهم.
يقول الله عز وجل: )وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (لأنفال:25) والشاهد من هذا الحديث قول الرسول صلي الله عليه وسلم : (( ثم يبعثون علي
نياتهم))فهو كقوله: (( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوي)).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق