الثلاثاء، 17 ديسمبر 2013

رياض الصالحين لا هجرة بعد الفتح


3- وعَنْ عَائِشَة رَضِيَ الله عنْهَا قَالَت قالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلكنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ ، وَإِذَا اسْتُنْفرِتُمْ فانْفِرُوا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَمَعْنَاهُ : لا هِجْرَةَ مِنْ مَكَّةَ لأَنَّهَا صَارَتْ دَارَ إِسْلامٍ .
الشرح


في هذا الحديث نفي رسول الله صلي الله عليه وسلم الهجرة بعد الفتح، فقال: (( لا هجرة))وهذا النفي ليس على عمومه، يعني أن الهجرة لم تبطل بالفتح، بل إنه (( وهذا النفي ليس على عمومه ، يعني أن الهجرة لم تبطل بالفتح، بل إنه (( لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها))(14) _ كما جاء ذلك في الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم - لكن المراد بالنفي هنا نفي الهجرة من مكة كما قاله المؤلف - رحمه الله-؛ لأن مكة بعد الفتح صارت بلاد إسلام، ولن تعود بعد ذلك بلاد كفر ، ولذلك نفي النبي صلي الله عليه وسلم صلي الله عليه وسلم أن تكون هجرة بعد الفتح.
وكانت مكة تحت سيطرة المشركين، وأخرجوا منها رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فهاجر صلي الله عليه وسلم بإذن ربه إلي المدينة وبعد ثمان سنوات رجع النبي صلي الله عليه وسلم إلي مكة فاتحاً مظفراً منصوراً- صلوات الله وسلامه عليه-.
فصارت مكة كونها بلد كفر النبي صلي الله عليه وسلم صارت بلد إيمان وبلد إسلام، ولم يكن منها هجرة بعد ذلك.
وفي هذا دليل على أن مكة لن تعود بلاد كفر، بل ستبقي بلاد إسلام إلي أن تقوم الساعة، أو إلي أن يشاء الله.
ثم قال عليه الصلاة والسلام: ((ولكن جهاد ونية)) ؛ أي الأمر بعد هذا جهاد؛ أي يخرج أهل مكة من مكة إلي الجهاد.
و(( النية)) أي النية الصالحة للجهاد في سبيل الله، وذلك بان ينوي الإنسان بجهاده، أن تكون كلمة الله هي العليا.
ثم قال عليه الصلاة والسلام(( وإذا استنفرتم فانفروا)) يعني : إذا استنفركم ولي أمركم للجهاد في سبيل الله، فانفروا وجوباً، وحينئذ يكون الجهاد فرض عين، إذا استنفر الناس للجهاد؛ وجب عليهم أن ينفروا، وألا يتخلف أحد إلا من عذره ، لقول الله تعالي: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) (إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئا)(التوبة: من الآية38/39)، وهذا أحد المواضع التي يكون فيها الجهاد فرض عين.
الموضع الثاني: إذا حضر بلدة العدو، أي جاء العدو حتى وصل إلي البلد وحصر البلد، صار الجهاد فرض عين، ووجي علي كل أحد أن يقاتل، حتى على النساء والشيوخ القادرين في هذه الحال، لأن هذا قتال دفاع.
وفرق بين قتال الدفاع وقتال الطلب.
فيجب في هذا الحال أن ينفر الناس كلهم للدفاع عن بلدهم.
الموضع الثالث: إذا حضر الصف ، والتقي الصفان؛ صف الكفار وصف المسلمين؛ صار الجهاد حينئذ فرض عين، ولا يجوز لأحد أن ينصرف كما قال الله تعالي: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ)(وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (لأنفال:15،16) .
وقد جعل النبي صلي الله عليه وسلم التولي يوم الزحف من السبع الموبقات.(14)
الموضع الرابع: إذا احتيج إلي الإنسان ؛ بأن يكون السلاح لا يعرفه إلا فرد من الأفراد، وكان الناس يحتاجون إلي هذا الرجل؛ لاستعمال هذا السلاح الجديد مثلاً؛ فإنه يتعين عليه أن يجاهد وإن لم يستنفره الإمام وذلك لأنه محتاج إليه.
ففي هذه المواطن الأربعة، يكون الجهاد فرض عين.
وما سوي ذلك فإنه يكون فرض كفاية.
قال أهل العلم: ويجب علي المسلمين ان يكون منهم جهاد في العام مرة واحدة، يجاهد أعداء الله؛ لتكون كلمة الله هي العليا ، لا لأجل أن يدافعوا عن الوطن من حيث إنه وطن، لأن الدفاع عن الوطن من حيث هو وطن يكون من المؤمن والكافر، حتى الكفار يدافعون عن أوطانهم، لكن المسلم يدافع عن دين الله، فيدافع عن وطنه؛ لا لأنه وطنه مثلاً، ولكن لأنه بلد إسلامي؛ فيدافع عنه حماية للإسلام الذي حل في هذه البلد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق